شاركنا رأيك

شاركنا رأيك

أسماء رفاعي سرور: كيف ذبحوا رجب وعائشة : جزء من مذكرات خالد حربي في سجون مبارك

الله يسامحك خليتني ابكي على القهوه وانا بين الناس
حاولت اكتم فانفجرت
ياااااا لك من رجل وصفت فابدعت
وان كنا نبكي على عائشه وابيها رحمة واحساسا فما بالنا بأرحم الراحمين اللهم عجل بنصر فكم من عائشه تنتظر ابيها
كيف ذبحوا رجب وعائشة :
جزء من مذكرات خالد حربي في سجون مبارك :
موقف أبكي كلما تذكرته ..
في اعتقالي الثاني الذي امتد لقرابة 6 سنوات حصلت كالعادة على حكم قضائي بالإفراج عني ..وكانت طريقة أمن الدولة في الالتفاف على أحكام الافراج أن يتم ترحيل المعتقل من السجن إلى مقر أمن الدولة ثم يكتب الضابط مذكرة بالإفراج عنه بينما يظل المعتقل حبيسًا في زنزانة أمن الدولة
وفي اليوم التالي يكتب الضابط مذكرة أخرى يقول فيها إنه تم الافراج عن المذكور وبمراقبته تبين أنه عاود نشاطه المتطرف مرة أخرى فتم القبض عليه وصدر بحقه قرار إعتقال جديد !!
هذه المهزلة كانت تتقرر كل شهرين تقريبا ولك أن تتخيل أني قضيت 6 سنوات معتقل بلا تهمة وكلما حصلت على حكم قضائي بالافراج كل شهرين تقريبا تتكرر معي هذه المسرحية
وفي أحد هذه المهازل قررت وزارة الداخلية أن يتم ترحيلنا لأحد اقسام الشرطة القريبة من معتقل الفيوم الذي كنا فيه بسبب إجراءات أمنية في القاهرة
تم ترحيلنا إلى قسم "إبشواي" بالفيوم وضعنا في زنزانة خاصة بنا ..وبعد قليل جاءت ترحيلة أخرى قادمة من معتقل الوادي الجديد كان يفترض بها أن تتوجه للجيزة... كانت سياسة أمن الدولة تتعمد تشتيت أهالى المعتقلين وإرهاقهم فيتم إعتقال شخص من الفيوم – مثلا- في معتقل بالوادي الجديد مع أن الفيوم بها معتقل كبير يسع قرابة عشرين الف معتقل .. وهكذا في كل محافظة يغرب المعتقل عن أهله لأبعد معتقل حتى يرهقوا الأهل ويذلوهم .
كان في الترحيلة أخ أسمه رجب من محافظة الفيوم معتقل منذ ثلاث سنوات وغير مسموح لأهله بزيارته ، جلس بجواري وظل يقص عليّ اصنافاً من التعذيب الذي يمارس عليهم في معتقل الوادي الجديد حتى قتل منهم قرابة السبعين شخص في حفلات التعذيب التي يستقبلون بها المعتقلين وتسمى "حفلة الاستقبال"
كان سماع قصص التعذيب ومأسي الفراق هي أخر ما أود الإستماع إليه لكني أحسست أن رجب لديه ألم عميق يسّري عنه بالحديث معي.. ظللنا نتبادل الحديث وابتسامته الصافيه لا تخفي ملامحه الحزينة ..وحين سألته "أنت متزوج يا رجب " تلاشت عن وجهه الابتسامة وقال هامساً متحسراً "أيوه الحمد لله"
أحسست بالحسرة تقتر من كلماته سألته عندك اولاد ؟
هناك أختنق صوته بالبكاء وأغرورقت عيناه ..حاول أن يتصنع البسمة وهو يقول عندي عائشة ..أطرق رأسه ووضع يده على عينه يمسح دمعة متمردة لم تستجيب لرغبته في الكتمان وهو يقول :اعتقلت وعمرها سنة واحدة وحتى الان لم أرها .
اضاف وهو يبكي :أ حد إخونا في معتقل الوادي اعتقل وطفله في سن عائشة وحين سمحوا لأهله بزيارته بعد خمس سنوات وقف الولد ليقول لأبيه الذي يراه للمرة الاولى "ازيك يا عمو"
كانت ملاحم رجب تمزق اوصالي اكثر من كلماته ... مبتلي أنا بمصاحبة البؤساء ...وماذا عسى بائس مثلي ان يصنع له !!
سألته :إذا كنت من الفيوم وونحن هنا الان فيها فلماذا لا نتصل بأهلك ونخبرهم بمكانك فيأتون لزيارتك ؟
قال طلبت من الضابط فرفض و قال ممنوع
قلت له مازحا " يا سيد رجب الجرائم الكبري لا يصنعها إلا اصحاب الرتب الصغري ..يا عم احنا في قسم شرطة يعني عشرين جنية لمخبر ولا شاويش هيخلص الموضوع ..قمت بالفعل وتحدثت مع الشاويش وكالعادة جرت مفاوضات ومقايضات أخذ الشاويش بعدها رقم تلفون بيت رجب واتصل بهم ليأتوا لزيارته ..
كان رجب متوترا يخشى ان تظهر الساعة على وجهه ثم لا ينالها فيصاب بحسرة مضاعفة ...ولا عجب في هذا فالمرء حين يطول شقاوه يصعب عليه ان يتهلل للفرح حين يطرق بابه يوماً
بعد ساعات قليلة وقف الشاويش على باب الزنزانة وقالي يا شيخ خالد أهل رجب بره بس مش هينفع يدخلوا عشان المأمور قعد ظابط يشوف الدخول لزيارة المسجونين والقسم اتقلب من ساعة ما قالوا السياسيين جيين
قلتله يا عم يقولوا دخلين لأي متهم وخلاص ..قالي والله ما هينفع ده زوجته منقبة وهيعرف انها جايلكم و هيدخل معها لحد ما يشوف دخله لمين عرضت عليه اموال اخرى فرفض عرضت عليه فكرة أن تدخل أبنته مع أي أسرة داخلة لزيارة المحبوسين جنائيا ثم تأتي لزيارة والدها فوافق
أخبرت رجب أن يتهيأ لرؤية طفلته ... كانت المرة الأولى التي أرى إنسان يرتعش من السعادة ...تتعثر قدماه ويعجز عن الوقوف ..عيناه تذرف الدمع صبابا..
قام رجب فاخرج ثياباً بيضاء نظيفة وتعطر ومشط شعره ..وجلس بجوار الباب كأنه سيفتح الان ليخرج إلى الدنيا المحروم منها منذ سنوات
كنت أقف على شباك الباب أرقب القادم ورجب يجلس تحت قدمي حين دخلت طفلة تشع براءة تتلفت حولها تبحث عن أبيها وخلفها الشاويش يحمل كيس الطعام الذي عجزت يدها الرقيق عن حمله
كانت الطفلة تنادي :أبي ..أبي أنتفض رجب واقفاً ينظر لطفلته التي لم يرها منذ ثلاث سنوات ..ضغط على صدره بقوة لينطلق باسمها بلا نحيب:عااائشة ..تستمرت عينهما طويلا
قلت للشاويش أفتح الباب بسرعة ...ففاجئني قائلا بكل برود :مش هينفع والله يا شيخ خالد
صرخت فيه أنت بتستهبل أفتح الباب ..الراجل نفسه يأخد بنته في حضنه ..طأطا رأسه قائلا والله العظيم مفتاح الزنزانة دي في مكتب المأمور ذات نفسه ..ضربت رأسي في الحائط ونظرت إلى رجب الذي لم ترتفع عيناه عن طفلته.. قلت للشاويش طيب شيل عائشة عشان تسلم على أبيها
حملها الشاويش على شباك الباب وأصبحت وجها لوجه أمام أبيها لا يحول بنيهم سوى هذه القضبان الغليظة الظالمة
ليتني ما وقف ساعتها بجوارهم ..ليتني أصلا ما عرضت على الرجل رؤية ابنته ...ليتني ما رأيت هذا الموقف ولا سمعت هذه الكلمات التي لا تزال تعتصر قلبي
بكل براءة الدنيا مدت عائشة يدها الصغيرة بين القضبان إلى لحية أبيها المبتلة وهي تقول :وحشتني أوي يا أبي ..أنا عرفاك كويس ...وبحبك أوي ..ماما بتوريني صورتك كل يوم الصبح وتقولي أبي في سبيل الله ..عايزه أبوسك يا أبي ..أنا ببوس الصورة كل يوم الصبح .. بس عايزه أبوسك أنت ..كانت أناملها الصغيرة تسرح بنعومة في لحية أبيها المبللة بدمعه الحار والذي لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة ... لم تفاجئني دموع الشاويش فلو شاهد الشطان هذه الموقف لبكي ... الا مبارك وزبانية أمن الدولة
كانت عائشة ذات الاربع سنوات ترتجل لأبيها بكل الحب ما تستطيع قوله : أمي واقفه بره مش عارف تدخل ..هي بتعيط ..بس هي اديتني الاكل وقالي لي ابوس ايديك واسلم عليك ... احنا مستنينك يا أبي في البيت ..انت مش هترجع يا أبي معانا ..طيب هترجع امته ..
كنت أشعر بكلماته البريئة تكوي أضلعي قبل أضلع والدها العاجز حتى عن احتضانها ..كانت رجب يمسك بكف أبنته ويقبله ..حين قال الشاويش معلش يا شيخ كفاية كده والله العظيم لو بيدي كنت فتحت الباب ولا حتى روحته ...
كانت عائشة ساكتة تنتظر من ابيها كلمة وهو الذي طال سكوته لعجزه عن الكلام
فقلت لها يا عائشة قولي لماما بابا كويس وبيسلم عليكم كلكم وان شاء الله هيرجع قريب وهيوديك المدرسة كل يوم ..تحرشج صوتي وعجزت عن إكمال الجملة
نطق رجب بكلمات متقطعة لطفلته :أنا بحبك أوي يا عيوشة ... أنت نور عيني يا حبيبتي ..قاطعه الشاويش والله ما هينفع أكتر من كده يا شيخ ياله يا عائشة .. قالت عائشة بسرعة وكأنها تذكرت شيئا هاما لأبيها ..ماما عملتلك الاكل إلي بتحبه وجبنالك عنب وحاجة ساقعة ... وببراءة شديدة قالت مع السلامة يا أبي ..مع السلامة يا أبي ولوحت بيدها ثم اختفت .. انخلع قلبي من هذه الكلمة .. وضعت رأسي بين ركبتي وأنهمرت في البكاء ...كان الجميع يبكي ..يتألم ..يئن .يشكوا إلى الله هذا الطغيان الوحشي ..يدعو على مبارك وأمن الدولة ..يطلب الرحمة من الله تعالى
لم استطع ان اقترب من رجب طول هذه اليوم ..وفي الصباح كانت قرارات الاعتقال الجديدة صدرت من أمن الدولة عاد رجب لمعتقل الوادي الجديد ..وعدت أنا لمعتقل الفيوم
وظلت عائشة بيدها الناعمة وكلماتها البريئة تنغص عليّ حياتي وتسيل دموعي حتى لحظة كتابتي لهذه القصة
نرحب دائماً بالنقاشات المجدية والتعليقات التي تغني موضوعاتها 
 ،أنشر الموضوع ليعلم الناس الحقائق وكن أنت الآعلام البديل

ليست هناك تعليقات: