شاركنا رأيك

شاركنا رأيك

رجال فى زمن عز فيه الرجال

Hend Ghobary shared ‎محمد جبال‎'s post.
13 mins

محمد جبال
7 hrs
خاطرتي بشأن احالتي للمعاش الذي يعد في حقيقته عزل من القضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
لم أدرس علوم القانون منذ صغرى إلا لأصبح قاضياً .. فقد نشأت أرقب والدي رحمة الله عليه منكفئ على أوراق الدعاوي مضحيا بكل ملذات الحياة ومتاعها في سبيل إقامة العدل .. إلا أن ما كنت أحسه من سروره وسعادته بإحقاق الحقوق لأصحابها - منسياً اياه كل ما تكبده من تعب ومشقة - ولّد لدي الرغبة لأكون قاضيا لأتذوق مما كان ينهل منه والدي وهو عسل إقامة العدل بين عباد الرحمن .. وكنت منذ نعومة أظافرى أسمع منه ترديده لعبارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه " القاضي لا يصانع ولا يضارع ولا تهزه المطامع " والتى ما زال صدى صوته وهو يرددها يداعب أذني إلى يومى هذا.
وهنا تكبدت مشقة دراسة علوم القانون لأتحصل منها على العلم الذي يمكنني من تحقيق مرادي بالقضاء بين الناس بالعدل والحق .. فى عامي الجامعى الثانى إنتقل والدي الى رحمة الله .. فزادني ذلك إصراراً وعزيمة على التفوق الدراسي لتحصيل أعلى الدرجات لأكون امتدادا لإسم والدي الذي سطره بحروف من نور بعالم القضاء ، وبتوفيق الله تعالى تمكنت من الإلتحاق بالسلك القضائي ولم أبخل بجهد لتحقيق الرسالة التى أرتضيت أن اقابل بها ربي على أكمل وجه بقدر استطاعتي .. واخيرا تذوقت ما كنت أراه على والدي من سعادة رغم ما كنت أتكبده من عناء العمل بالقضاء .. فقد كانت مجرد نظرة واحدة لوجه مظلوم أنصفه قضائي كفيلا بإزالة عناء وشقاء الدنيا وما فيها .. فهذا ما عشت به وحييت من أجله .. هذا ما أنعزلت به عن العالم وعن أسرتي مستغنيا عن كل ملذات الدنيا منكفئً على عملي لا أبتغى إلا وجه الله تعالى وكنت أظن هذا هو حال جل من إتشح بوشاح القضاء إن لم يكن جميعهم.
ومضت أيامي بالقضاء وتخللتها العديد من المواقف العامة التي تترجم قناعتي بمقولة أن القاضي لا يضارع ولا يصانع ولا تهزه المطامع .. مرورا بتضامني مع ما عرف اعلاميا بتيار الاستقلال بالقضاء وانضمامي لإعتصام القضاة عام 2006 وتشربي من أقطاب ذلك التيار وجوب تحقيق الاستقلال القضائي لا لهدف سوى تحقيق أقصى استقلال للقاضي في مواجهة السلطة التنفيذية حتى صدمتني المعاملة القضائية الغير سوية للمتهم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك والمتمثلة في كيفية ومكان تنفيذه أمر الحبس الاحتياطي الصادر قبله بما يخل بكل مبادئ العدل والمساوة بين المتقاضين فلم يكن أمامي الا إطلاق صرخة غضب واعتراض على ذلك الوضع القضائي المتردي لعلها تصل لجموع القضاة فتحرك ساكنا إذا ما سلكوا ذات المسلك .. فقمت بإصدار قراري حال تجديد حبس أحد المتهين - حال عملي كقاضي جزئي بمحكمة دكرنس الجزئية التابعة لمحكمة المنصورة الابتدائية - والذي كان يعاني مرضا بالكلى والعمود الفقري وكان نص القرار " بحبس المتهم خمسة عشر يوما على أن يودع بمستشفى السلاب بالمنصورة على نفقة وزارة الداخلية أسوة بالمتهم محمد حسني مبارك " مع العلم بأن تلك المستشفى كانت أكثر المستشفيات الاستثمارية كلفة بمحافظة الدقهلية .. وقد تكبدت ما تكبدته جراء قراري هذا الذي لم اتخذه إلا إعلاء لمبادئ اؤمن بها .
ومضت أيامي بالقضاء حتى آلم ببلادي ما آلم بها من كارثة إهدار الدستور الذي أقسمت على احترامه وهتك إرادة الشعب - التي إنصبت بصناديق انتخابية قام القضاة ذاتهم بالإشراف عليها وعهد الينا أمانة الحفاظ عليها وعلى ارادتهم التي ابدوها بها - وذلك بعزل الرئيس الذي انتخبة الشعب بأول إنتخابات رئاسية لم يشوبها التزوير باي وجه من الأوجه بشهادة القاصي والداني ، وبوقف العمل بالدستور الذي اشرفنا على إستفتاء الشعب عليه فعلمت بأنه هناك بيان يجرى الإعداد لإصدارة من اجّل واشرف قضاة مصر يوصّف ما حدث من الناحية القانونية والدستورية داعيا كافة القوى بالدولة للتوافق للخروج مما حل بالبلاد من كارثة إهدار نصوص دستور إرتضاه الشعب ليكون هو الوثيقة الحاكمة بينه وبين السلطة التنفيذية وكذا إهدار شرعية الرئيس الذي انتخبة الشعب بإرادة حرة لم يشوبها شائبة .. بيان دعا لحقن دماء الشعب المصري وحماية وصيانة حرياته وحل الخلافات بالطرق الديموقراطية التي ارتضتها كافة الشعوب الحرة لحل مشاكلها السياسية .. فارتضيت ان اكون أحد مصدري ذلك البيان وهو بيان دعم الشرعية الدستورية والذي عرف فيما بعد إعلاميا ببيان رابعة .. لا ابتغي من ذلك إلا وجه الله تعالى لعله يكون شفيعا لي يوم لقاء وجهه الكريم وما أن صدر ذلك البيان حتى هاجت وماجت كافة سلطات الدولة ، إعلامها قبل قضائها متمثلا في رئيس نادي القضاة انذاك احمد الزند وحاشيته فنسبوا لنا كل ما لا يمكن أن يصدقه العقل والمنطق .. اتهامات ما انزل بها من سلطان لا تقنع طفلا صغير العمر .. أبسطها الاعتصام بميدان رابعة وممارستنا جهاد النكاح وانتمائنا لجماعة الاخوان المسلمين الى اخر تلك الاتهامات الهزلية .. فقام متشنجا بالغاء عضويتنا بنادي القضاة مخالفا كافة القوانين واللوائح المنظمة لذلك.
وهنا بدأت مسخرة المساخر التي عرفت بمحاكمة قضاة البيان والتي لو عرضت على أصغر طالب بكلية حقوق لانكفأ على بطنه من كثرة الضحك على ما حوته أوراق تلك الدعوى من مهازل ومخالفات لأبسط قواعد القانون والعدالة .. مخالفات يتحرج أعتى الظالمين من إرتكابها .. مخالفات قانونية يصعب حصرها من كثرتها .. مخالفات لا يتسع المقام هنا لذكرها لعدم الإثقال على القارئ بحديث قانوني قد يصيبه بالملل .. مخالفات قانونية ان شاء الله سأفرد لها مقال منفصل مفصل لها قريبا
بدأت تلك المسرحية الهزلية بتحقيق اجراه قاضي التحقيق محمد شرين فوزي وهو الصديق المقرب للشاكي أحمد الزند والمنتدب بقرار باطل قانونا .. فعلمت أنه لن يكون تحقيقا سيتقصى فيه مجريه تحقيق أوجه العدل والعدالة فامتنعت عن الحضور أمامه ضاربا بتحقيقاته عرض الحائط .. وقد صدق حدسي حيث تبين فيما بعد أن قاضي التحقيق إرتكب التزوير بأوراق التحقيق المجرىَ بمعرفته فضلا عن إختلاس بعض المستندات التى جاءت في صالح زملائي الاجلاء ممن حضروا التحقيق فضلا عن قيامه بلوي الحقائق بما لا تحتمل وقد أحيلت تلك الدعوى لمجلس التأديب دون إعلاني بقرار الإحالة وفقا لما هو مقرر قانونا .. وقد تداولت تلك الدعوى أمام ذلك المجلس الذي يضم كبار رجال القضاء في مصر في غيبة مني ولم يكلف اباطرة القضاء أنفسهم عناء إعلاني بالدعوى لأتمكن من الحضور لابداء دفاعي فيما نسب اليَّ بباطل بوقائع اخرى خلاف اشتراكي في إصدار بيان دعم الشرعية الدستورية .. فعلمت فيما بعد أن تلك المحاكمة لا يمكن اعتبارها محاكمة باي حال من الاحوال من كثرة ما أرتكب بها من مخالفات قانونية جسيمة .. فصدر قضاء ذلك المجلس بإحالتي للمعاش انا وثلاثين قاضٍ من خيرة قضاة مصر انا أدناهم علما وخلقا .. ثلاثون قاضٍ خلافي تكتب الكتب لسرد ماضيهم المشرف ولا تكفي .. صدر ذلك الحكم قبلي منعدما قانونا .. وأقول منعدما وليس باطلا بمعنى أنه والعدم سواء لانه لم يصدر في مواجهة مني .
وعليه تم الطعن على ما يطلق عليه حكم أمام مجلس التأديب الاعلى .. متمسكا بإنعدام ذلك الحكم قبلي وهو ما يعلمه أقل أهل القانونا علما .. فضلا عن باقي الدفوع القانونية الاخرى وأوجه الدفاع - والتي سأسرد لها مقالا آخر كما ذكرت سابقا - والكفيلة بصدور الحكم الاستئنافي لصالحي دون بذل أدنى مجهود يذكر .. إلا انني فوجئت بمحاكمة لا تقل في هزلها عن محاكمة أول درجة ان لم يكن أزيد .. حيث انتهى شيوخ القضاء في قضائهم الى تأييد الحكم المستأنف وزادوا عليه بإحالة قاضٍ جليل اخر للمعاش ليصبح العدد النهائي اثنين وثلاثون من أشرف واجل وأعظم قضاة مصر ولست منهم .. لقد أيد اباطرة قضاة مصر في حقي حكما منعدما .. إذ ايدوا قبلي ما هو منعدم أو ما لا يعد موجودا من الأساس باعتباره حقيقة قائمة .. قاموا بما لايمكن التصور القيام به .. لقد هتكوا عرض القانون واغتصبوا العدالة كرها واصدروا قضائهم هذا معتقدين انهم الحقوا بي جسيم الضرر .. أصدروا قضائهم هذا وأنا ارى في أعينهم أنهم لم يصدروه الا تحقيقا لروح الانتقام لديهم .. أصدروا قضائهم لا يبغون الا تحقيق رغبتهم في عزل من إرتأوا أنه تمسك بشرفه القضائي .. عزلوا من لم يرتضي أن يخون امانة الله التي القاها على عاتقه أرادوا إلحاق الضرر بي وبمن هم أشرف واجل واسمى مني من قضاة مصر .
فعلوا ولم يدركوا أن رنين صوت ابي باذني مرددا جملة " القاضي لا يضارع ولا يصانع ولا تهزه المطامع " قد بدأ يتلاشى .. تلك الجملة التى التي علمتنى معنى القاضي الحق .. تلك الجملة التي حببتني في القضاء وجعلتني ابذل كل ما هو غالٍ ونفيس لألتحق بالسلك القضائي ولأقيم العدل بين الناس .. تلاشت تلك الجملة من كثرة ما رأيته من عبث قضائي متمثل في قتل بأسم القضاء وهتك للحريات والحرمات بإسم القضاء .. تلاشت تلك الجملة حينما أصبح القضاء وسيلة للتعيش لا اكثر بل أصبح وسيلة للثراء السريع لدى البعض ووسيلة للسطة والجبروت لدى آخرين بل وسيلة للظلم والانتقام من الخصوم .. لم يعد هو ذلك القضاء الذي كنت اشرف بالانتماء اليه وبتلاشي صوت أبي الحبيب مرددا تلك الجملة زهددت نفسي العمل بالقضاء .. بل زهددت العمل بالمجال القانوني ككل .. بل زهدت القانون ذاته ، ليتك يا ابي ما رددت تلك الجملة على مسامعي .. لو كنت إمتنعت يا أبي لم أكن قد حلمت يوما ما ان أكون قاضيا .. ولم تكن صدمتي فيما الم بالقضاء كصدمتي الحالية .. عفوا والدي فأنا اعلم انك لم يراودك الظن بالقضاء أن يصبح حاله كما أصبح الان .. حقا افتقدك الان يا أبي كثيرا لا لشيئ سوى لأعلمك بما أصبح عليه القضاء وما أصبحت عليه أنا .. لأرى نظرة الفخر في عينيك حين تفوقت بدراستي وحين التحقت بالقضاء وحين سلكت طريقك في اقرار الحق وحين تركت العمل بالقضاء على هذا النحو المشرف .. إفخر يا أبي بإبنك ، إفخر بما كان عليه بدراسته وبما كان عليه بقضائه وبما حققه اليوم .. لك أن تفخر أبي بما ربيت إبنك عليه وبما زرعته بي من مبادئ .. شكرا أبي فلن اوفيك حقك مهما قلت او فعلت .. شكرا أبي.
واخيرا وليس آخراً يا قضاة مصر .. يا من تتمسكون بالشرف .. الحق بين والباطل بين اتبعوا الحق فهو احق .. ليس في الصمت شرف .. السكوت على الظلم ليس من الشرف .. ولا اعني السكوت عن الظلم بدعوانا انما مقصدي الظلم الذي تفشى بكل جوانب البلاد .. الظلم الذي ادركه الأعمى قبل البصير .. انطقوا بالحق قبل ان يُنْطق بالحق عليكم .. يا قضاة مصر إن لم تنصروا الحق فمن ناصره غيركم بعد الله عز وجل .. يا قضاة مصر تدبروا أمركم وما آل اليه حالكم وتبدل الناس تجاهكم .. فكانوا بالامس يهتفون " إن في مصر قضاة لا يخشون الا الله " ليصبح هتافهم " إن في مصر قضاة لا يخشون حتى الله "
بسم الله الرحمن الرحين
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
صدق الله العظيم
القاضي محمد جبال
نرحب دائماً بالنقاشات المجدية والتعليقات التي تغني موضوعاتها ،
أنشر الموضوع ليعلم الناس الحقائق وكن أنت الآعلام البديل

ليست هناك تعليقات: