شاركنا رأيك

شاركنا رأيك

صفحات مخفيه من تاريخ مصر ... الحلقه الثالثه ... حريق مكتبه الاسكندريه و حياه هيباتيا و عصر الصراع الديني


JAWDA added 3 new photos.
صفحات مخفيه من تاريخ مصر ... الحلقه الثالثه ... حريق مكتبه الاسكندريه و حياه هيباتيا و عصر الصراع الديني
------------------------------------------------------------
كشفنا في الحلقتين السابقتين ان الفرعون رمسيس لم يكن بالعظمة التي تحدث عنها كتاب التاريخ (المصدر الاول) بينما ان عصر اخناتون شهد احد اهم فترات الحريه الدينيه و الثقافية لمصر و لكن لم يلبث ان انقلب الكهنه و الجيش علي ذلك (المصدر الثاني).
نصل الان لحقبه انتشار المسيحيه في مصر و الصراع الديني بين المسيحين المصريين و أتباع الديانه الرومانيه. ادي هذا الصراع لانفصال مصر تماماً عن الغرب. قبل العام ٤٠٠ ميلادي كانت مصر جزء من الغرب و كانت الاسكندريه مثلها مثل روما و اثينا، احد اهم مصادر الفكر الغربي. بحلول عام ٤٥٠ ميلاديه تم حرق مكتبه الاسكندريه و قتل الفيلسوفه هيباتيا و ملاحقه كل رابط بين مصر و الغرب متمثلا في قتل و طرد كل علماء و فلاسفة الاسكندريه.
يغفل كتاب التاريخ الحكومي المصري هذه الحقبه عمدا. و لا يملك الطالب المصري الا ان يسأل سؤال لا يجد له اي أجابه حتي يكبر. لماذا تحولت مصر من جزء مهم من الغرب و بها الاسكندريه اهم مدن العالم و سله غلال الامبراطورية الرومانيه الي دوله فقيره منفصله تماماً عن الغرب و هو ما لم يحدث مثلا في اليونان او تركيا و حضاراتهم مماثله في الاهميه و التأثير لحضاره مصر، ان لم يكن اقل. و يعزو كثيرون ذلك للفتح الاسلامي لمصر دون علم. بينما الصفحه المخفيه في تاريخ مصر هي تلك الفتره بين نهايات القرن الرابع و أوائل القرن الخامس الميلادي و ترجع بالأساس لتعصب الكنيسه المصريه الديني و رغبتها الانفصال عن الغرب.
الحقيقه اننا ترددنا كثيراً في كتابه هذا المقال لانه فعلا موضوع شائك و لكن قررنا ان نكتب ثقه في القارئ و سعيا للحقيقه. و لا يجب ان ينظر لهذا المقال من وجهه نظر المسلم و المسيحي فهذا اخر ما نريده. و لكن يجب ان ننظر له في إطار الدروس المستفاده. انزع المسيحيه و ضع اي دين. في النهايه نحن بشر و نريد ان ننظر للأمور نظره انسانيه شامله و عامه اولا.
البابا ثيوفيليس بابا الاسكندريه و حريق مكتبه الاسكندريه
----------------------------------------------------------------
في عام ٣٨٤ وصل لكرسي الباباويه في الاسكندريه البابا ثيوفيليس (المصدر الثالث). في ذلك الوقت كانت المسيحيه مازالت في طور الانتشار في مصر و لكنها لم تسيطر بعد. تزامنت ديانتنا في مصر و هي المسيحيه و الوثنية. و كان لكل ديانه منهم اتباعها في الاسكندريه (و هي اهم مدينه في العالم وقتها).
كتب جيبون (صاحب اهم مؤلف في تاريخ الامبراطورية الرومانيه) التالي في وصف البابا ثيوفيليس:
"العدو الدائم للسلام و الفضيله. رجل سيئ تلوثت يداه بالذهب و الدم". (المصدر الرابع).
كما يمكن تخيله كان هناك احتكاك متواصل بين اتباع الديانتين في الاسكندريه. حدث تحول كبير في نظره الإمبراطور الروماني للوثنية فبدلا من السماح بها اصدر الإمبراطور ثيؤدوسيوس الاول قرارا في عام ٣٩١ بحظر الوثنية في الامبراطورية (المصدر الخامس). انتهز البابا الفرصه و اصدر قرارا بتدمير معبد سيرابيوم في الاسكندريه و كان يحوي وقتها مكتبه الاسكندريه.
بدأ اليوم بان أوعز البابا للغوغاء المسيحين بمهاجمه المعبد و عرض مقتنياته في الشوارع و التعريض بالوثنية و مقتنياتها. ثم قام الغوغاء بتدمير المعبد. مع نهايه اليوم وصل الجيش المصري تحت أمره حاكم الاسكندريه و كبير قاده الجيش و سيطروا علي الغوغاء و لكنهم عاونوا البابا ثيوفيليس في تدمير السيرابيوم. (المصدر السادس: سقراط كونستانتينوبل و هو مؤرخ معاصر للأحداث و شاهد عيان).
(لا يملك المرء الا ان يلاحظ أوجه التشابه مع احداث الثوره في مصر حيث تقوم السلطات بإيعاز الغوغاء لحرق او تدمير مكان ما ثم يتدخل الجيش ليفرض "سيطرته" بينما الحقيقه هو يكمل المهمه. حريق المجمع العلمي في مصر لا شك اكبر مثال علي ذلك)
لا يوجد هناك نقطه خلاف بين المؤرخين حول تواجد مكتبه الاسكندريه في معبد سيرابيوم. لكن يوجد خلاف حول ما اذا احتوت المكتبه وقتها أيه كتب. حيث يعتقد ان المكتبه او اجزاء منها احترقت خلال وقت يوليوس قيصر (المصدر السابع).
قام الباحث مصطفي العبادي في كتابه "حياه و مصير مكتبه الاسكندريه" و الذي نشرته اليونسكو بتدقيق الامر (المصدر الثامن). و توصل للتالي:
"زار سينيسيوس المعبد في أواخر القرن الرابع و وصف صور الفلاسفة فيه. ان ثيون هو اخر فيلسوف و رياضي و باحث تم وصفه و بعد قرار البابا بتدمير المعبد لم يذكر التاريخ ايه باحثين او فلاسفة اخرين"
يعني ذلك انه حتي لو تم تدمير بعض اجزاء من المكتبه في وقت يوليوس قيصر فان العلم و البحث داخل المكتبه استمر بدرجه او اخري حتي وصلنا لثيون اخر فيلسوف معروف في الاسكندريه ثم توقف التاريخ تماماً عن وصف اي أبحاث في المكتبه لانها بالقطع تم تدميرها.
هناك إشاعات تتحدث ان مكتبه الاسكندريه دمرها عمرو بن العاص عندما فتح المسلمون مصر في ٦٤٢ ميلاديه. هناك خمس مصادر عربيه (لاحظ انهم جميعا مصادر عربيه) ذكروا هذا الامر و لكن جميعهم كانوا ٥٠٠ سنه بعد دخول عمرو بن العاص مصر. كان أقربهم هو عبد اللطيف البغدادي (المصدر الثامن) الذي كتب في عام ١٢٠٠ (!) ان عمرو حرق المكتبه بناءا علي امر من عمر بن الخطاب.
من الصعب تخيل ان يكتب احدهم تاريخا بعد حدوثه بأكثر من ٥٠٠ عام بدون الرجوع لأي مصدر معاصر. بينما تدمير المكتبه علي يد ثيوفيليس تم تأريخه علي يد المعاصرين. تخيل ان يحاول شخص ما كتابه تاريخ الظاهر بيبرس مثلا الان دون الرجوع لشهود عيان من عصره! لا شك سيكون الامر كله تأليفا. بالذات عندما نعلم ان فتره ١٢٠٠ م شهدت صراعات سياسيه كبري داخل الدوله الاسلاميه و هي فتره ظهور ما عرف بالشعوبيه.
و للاسف يتداول بعض المصريين هذه القصه. يقول جيبون في كتابه الشهير صعود و سقوط الامبراطورية الرومانيه:
"يصدق كثيرون ببلاهه قصه ان عمرو بن العاص حرق مكتبه الاسكندريه"
تولي البابا سوريال عرش كنيسه الاسكندريه و مقتل هيباتيا
-----------------------------------------------------------------
تولي تربيه سوريال عمه البابا ثيوفيليس و اصطحبه معه للمؤتمرات الكنسيه. في ٤١٢ تم انتخاب سوريال ليصبح بابا الاسكندريه.
بدأ البابا سوريال عهده بإغلاق كنائس النوفاتيين و الحجز علي ممتلكاتها (المصدر التاسع).
تلي ذلك الفتنه الكبري بين اليهود و المسحيين في الاسكندريه. حيث أرسل سوريال جاسوسا ليتطلع علي احدي مسرحيات اليهود و التي كانت تلقي إقبالا شديدا في المدينه ليتم اكتشافه و ينتج عن ذلك اعتداءات متبادله بين اليهود و المسيحيين في الاسكندريه. ليأمر بعدها البابا سوريال باعتقال كل اليهود و الحجز علي ممتلكاتهم و أتاح للعامه مداهمه مساكنهم و الاستيلاء علي ما تبقي فيها (المصدر العاشر).
كان ذلك زمن عاشت فيه الفيلسوفه السكندريه هيباتيا و هي ابنه ثيون اخر علماء مكتبه الاسكندريه. و بالرغم من تدمير معبد الاسكندريه و طرد العلماء استمرت هيباتيا في تدريس الفلسفة و الرياضيات و استمر الطلبه يأتونها من كافه أنحاء الامبراطورية الرومانيه. كانت هيباتيا وثنيه و كانت معارضه للبابا سوريال. أوردت المصادر كره آباء الكنيسه لهيباتيا و ظنهم انها وراء كل المعارضه لسوريال (المصدر الحادي عشر).
في عام ٤١٥ و بعد ٣ سنوات من تولي سوريال البابويه قام غوغاء مسيحيون (يمكن ان نطلق عليهم الان المواطنون الشرفاء او أهل العباسية الشرفاء مثلا) بمهاجمه عربه هيباتيا و قتلها و تمزيق جسدها و سحل بقاياها في الطريق.
كتب سقراطس سكولاستيكوس (و هو شاهد عيان علي القتل):
"سقطت هيباتيا ضحيه الصراع السياسي. كانت مقربه من اوريستيس الحاكم الروماني علي مصر. و كان المسيحيون يظنون انها من منعته من المصالحه مع البابا. قاد الهجوم عليها منتمي للكنيسه يدعي بطرس حيث سحبها من عربتها و اخذها الغوغاء نحو كنيسه قيصرية. حيث خلعوا كل ملابسها و قتلوها و بعد تمزيق جسدها سحلوها نحو حي سينارون حيث حرقوا بقاياها (المصدر الثاني عشر).
يعتبر المؤرخون ان مقتل هيباتيا هو نهايه العصر الكيلاسيكي القديم (المصدر الثالث عشر). و الحقيقه انه بدايه النهايه لارتباط مصر مع الغرب حيث انقطعت سبل العلم الكلاسيكي في مصر و انقطع الطلبه عن الذهاب للاسكندريه لتلقي العلم الكلاسيكي. و ربما كان هذا هو هدف البابا سوريال.
بدايه قطيعه مصر المسيحيه مع الغرب
----------------------------------
في عام ٤٢٨ تولي نسطور بابا آنطاكيه منصب بابا القسطنطينيه. نشب خلاف ضخم بين سوريال و نسطور. في حين رأي نسطور ان السيده مريم هي ام المسيح، رأي سوريال انها ام الله. و كان هذا نزاعا هاما في اسس اللاهوت.
في عام ٤٣١ دعا الإمبراطور ثيؤدوسيوس الي انعقاد مجلس افيسوس (مدينه في تركيا الحاليه). انعقد المجلس و رأسه سوريال قبل وصول نسطور و اتباعه من سوريا. و بالطبع أقر المجلس بكفر نسطور. ثم وصل نسطور و اتباعه و عكسوا القرار و اتهموا سوريال بالكفر فحبسه الإمبراطور الروماني. فقام اتباع سوريال بالتظاهر امام قصر الامبراطورية و هددوا الإمبراطور ذاته الذي تراجع و قرر نفي نسطور الي صعيد مصر (المصدر الرابع عشر).
القطيعه الكاملة بين مصر و الغرب في ٤٥١
-------------------------------------------
لم ينجح مجلس افيسوس في حل النزاع حيث استمرت بعض أجزاءه في البقاء. في عام ٤٤٤ قام راهب مصري يدعي ايوتايكس بالكتابه لبابا روما ليو الاول زاعما ان لديه حل كامل للقضاء علي فتنه النساطره. كان حل ايوتايكس يقوم علي فكره إنكار ان الطبيعه البشريه للسيد المسيح كانت ناقصه او غير مكتمله. بل قال انه كان ذو طبيعه بشريه مكتمله (المصدر الخامس عشر). ادي ذلك لأثاره خلاف ضخم في الكنيسه و عقد الإمبراطور مارسين مجلس كنسي جديد في كالسيدون (تركيا الحاليه). ثارت خلافات ضخمه داخل هذا المجلس. فبينما كان رهبان الاسكندريه ضد عقيده ايوتايكس تماماً انتشرت عقيدته انتشارا كبيرا في مصر ذاتها. انتهي هذا المجلس بكونه اخر مجلس تحضره الكنيسه المصريه و ادي لانفصال الكنيسه المصريه عن بقيه كنائس العالم فيما يعرف بالفتنه المسيحيه الكبري (المصدر السادس عشر).
الدروس المستفاده:
-----------------------
لا شك ان هذه صفحه مهمه في التاريخ المصري لا يتم ذكرها إطلاقا. بل فجأه ينتقل كتاب التاريخ المصري الحكومي من يوليوس قيصر و كليوباترا الي الفتح الاسلامي مهملا تماماً ٥٠٠ عام من تاريخ مصر. و الحقيقه انها ٥٠٠ عام حافله بالفتنه و الثورات و العنف و أدت في النهايه لانفصال مصر عن الغرب بحلول عام ٤٥٠ و وقوعها فريسه لأزمات اجتماعيه و سياسيه طاحنه أدت لسقوطها السريع في يد عمرو بن العاص.
و هناك دروس مهمه من تلك الفتره.
اولا. ان تجاور دينيين في مصر و تزامنهم امر يحتاج لحكمه شديده. و ان مصر حتي اليوم عاجزه عن اداره وجود اتباع ديانتين علي ارض مصر.
ثانيا. ان التعصب الديني موجود في المسيحيه و يمكن ان يكون موجودا في اي دين.
ثالثا. انه بالرغم من احترام الكنيسه و المسيحيين المصريين للبابا سوريال (و نحن نقدره لدوره الديني و ورعه و تقواه و حرصه علي نشر المسيحيه كديانه سماويه من الله و غيرته علي الدين) فان سياساته الدنيويه لا شك أدت لقطيعه مصر مع الغرب و هي قطيعه مستمره حتي اليوم. فلا زال الشك المصري تجاه الغرب مستمر و هو لا يعود للإسلام بل هو ما قبل الاسلام. و للاسف يطلق عليه وطنيه بينما الحقيقه هي انه تعصب فقط لا غير.
رابعا. ان التعصب الديني و الوطني قاتل. المبالغه في الوطنيه هي فاشيه. و استعداء طائفه من أبناء الشعب المصري ("اللي مش عاجبه يمشي") و الرقص لقتلهم هو فاشيه لا شك فيها.
خامسا. ان قتل هيباتيا ادي لنمو الأحقاد و الفتن و الخلافات و ما اطلق عليه لاحقا "الوطنيه المصريه" بينما الحقيقه كان عباره عن تعصب لأفكار معينه، كل هذا ادي لاستعداء الرومان و فرض ضرائب علي الفلاح المصري و تدهور احوال مصر و ادي لاحقا لسقوط مصر ثمره سهله في يد جيش عمرو بن العاص دون حتي مقاومه من اهلها.
هل القتل باسم الدين او الوطنيه مقبول؟
هل الرقص بينما يقتل الناس مقبول؟ الا يودي ذلك الي تخلف و انهيار كما حدث في السابق؟
مجازر رابعه و النهضه ان لم تعالج ستؤدي لذات المصير. ستجعل الحياه في مصر لا تطاق لدي البعض و ستؤدي لوقوع مصر فريسه سهل لأي شيئ لاحقا.
المصادر:
--------
٣- حياه البابا ثيوفيليس بابا الاسكندريه:
http://www.catholic.org/saints/saint.php?saint_id=826
٤- جيبون: صعود و سقوط الامبراطورية الرومانيه:
http://wesley.nnu.edu/wesleyctr/books/1001-1100/HDM1028.pdf
٥- حظر الوثنيه في الامبراطورية الرومانيه:
http://en.wikipedia.org/wiki/Theodosius_I
٦- سقراط كونستانتينوبل. ترجمه ألكسندر دونالدسون: الكتاب الخامس. الفصل ١٦.
http://en.wikisource.org/…/Volum…/Socrates/Book_V/Chapter_16
٧- الخلاف حول ان وجدت كتب في مكتبه الاسكندريه وقت تدمير معبد السيرابيوم:
http://www.attalus.org/latin/orosius6B.html#15
٨- حرق عمرو بن العاص لمكتبه الاسكندريه:
عبد اللطيف البغدادي ١٢٠٠ م.
http://www.roger-pearse.com/…/abd-al-latifs-account-of-egy…/
مصطفي العبادي في كتابه "حياه و مصير مكتبه الاسكندريه":
http://www.ledevoir.com/…/mostafa-el-abbadi-un-humaniste-de…
٩- البابا سوريال يغلق كنائس النوفاتيين:
http://www.newadvent.org/cathen/11138a.htm
١٠- الفتنه الكبري بين اليهود و المسيحيين في الاسكندريه:
http://www.newadvent.org/fathers/2601.htm
١١- عداء الكنيسه للفيلسوفه هيباتيا:
http://www.suppressedhistories.net/secrethisto…/hypatia.html
١٣- مقتل هيباتيا و انتهاء الكلاسيكية:
http://www.jesusneverexisted.com/hypatia.html
١٤- احداث مجلس افيسوس:
http://www.newadvent.org/cathen/05491a.htm
١٥- عقيده ايوتايكس:
http://en.wikipedia.org/wiki/Eutyches
١٦- الفتنه المسيحيه و انفصال كنائس الشرق:
http://www.christianity.com/…/schism-between-east-and-west-…
نرحب دائماً بالنقاشات المجدية والتعليقات التي تغني موضوعاتها ،أنشر الموضوع ليعلم الناس الحقائق وكن أنت الآعلام البديل

ليست هناك تعليقات: