شاركنا رأيك

شاركنا رأيك

صفحات مخفيه من تاريخ مصر سايكس-بيكو و الحرب العالميه الاولي شبكه الخيانات العربيه و أصول الدوله العربيه الحديثه ... الحلقه ٦


JAWDA added a new photo to the album: ‎صفحات مخفيه من تاريخ مصر‎.

----------------------------
شفنا في الحلقه اللي فاتت (مصدر ١) ان الألمان من بدري اكتشفوا ان الشريف حسين و أولاده عملاء للإنجليز و بلغوا الأتراك و بالذات جمال باشا والي الشام التركي بكده. و شفنا ان جمال باشا كان مستبشر جدا بزياره فيصل بن الحسين لدمشق للتباحث و كان رأيه ان فيصل مختلف عن والده لانه متعلم في اسطنبول (نفس الكلام يقال عن سلمان بن عبد العزيز انه مختلف عن عبد الله بن عبد العزيز. و كذلك قيل عن عبد الله عندما تسلم الحكم. و يقال عن كل حاكم خليجي جديد! و لا نتعلم).
الألمان (و عميلهم في القدس ماكس بروفر) بالرغم انهم كانوا متاكدين ان الشريف حسين والي مكه و أولاده متعاملين مع الإنجليز لكن مكانوش عارفين ان الامور اكثر من كده بكتير جدا جدا.
في فبراير ١٩١٤، يعني سنه قبل وصول فيصل لدمشق في مارس ١٩١٥ و قبل اعلان تركيا الحرب علي بريطانيا في اكتوبر ١٩١٤، وصل عبد الله بن الحسين الأخ الأكبر لفيصل و الابن التاني للشريف حسين الي القاهره في زياره سريه. الإنجليز كانوا عارفين ان ابيه حسين بيكره الأتراك لكن عبد الله اخد الامور في اتجاه تاني خالص. عبد الله طلب يقابل اللورد كتشنر حاكم مصر. عبد الله سأل كيتشنر سوْال مباشر: "بريطانيا حتعمل ايه لو الحجاز تمرد علي الأتراك و هل ممكن بريطانيا تساعدهم؟" مصدر ٢.
كتشنر كان مذهول من الطلب. و قعد يشرح لعبد الله ان بريطانيا و تركيا في سلام و انه مستحيل بريطانيا تشجع تمرد ضد تركيا.
عبد الله مسكتش. رجع القاهره تاني بعد حوالي شهرين في ابريل ١٩١٤ و طلب مقابله عاجله مع كتشنر. اللورد كتشنر رفض يقابله و خلي السكرتير الشرقي للسفاره البريطانيه ريجينالد ستورز يقابله (مصدر ٣).
في مقابله عبد الله مع ستورز كان عبد الله اكثر صراحه. عيد الله طلب مدافع رشاشه بشكل مباشر. بأي كميه و لو حتي ٦ مدافع. طبعا ريج ستورز قاله ان بريطانيا مستحيل تزودهم بسلاح.
في سبتمبر ١٩١٤ طبعا تركيا أعلنت حرب علي بريطانيا (شفنا في الحلقه ١ ان ده كان قرار خاطئ جدا لأسباب كتيره - مصدر ٤). كتشنر بقي وزير الحربيه في بريطانيا و طبعا افتكر كلام عبد الله بن الحسين. كتشنر كان سافر لندن عشان يمسك الوزاره في حرب عالميه لكن كان لسه بيعتبر ان مصر عزبته و ان السفاره (او المعتمديه الساميه وقتها) و الجيش البريطاني فيها كلهم لسه بيشتغلوا عنده. لذلك بعت برقيه لمكتبه السابق في القاهره انه يبعت مبعوث سري لمكه عشان يشوف اذا كان امير مكه واقف مع بريطانيا و لا ضدها. طبعا الرد كان سريع من عبد الله و قال فيه انه مع الدعم البريطاني مكه حتتمرد علي العثمانيين. كتشنر رد علي عبد الله انه في حاله تدخل مكه لصالح بريطانيا فبريطانيا حتضمن استقلال مكه ضد الاعتداءات الخارجيه بالذات من العثمانيين.
و قال كلمه مهمه جدا في برقيته: "لحد دلوقتي احنا صادقنا المسلمين ممثلين في الأتراك. من هنا و رايح صداقتنا ستكون مع العرب النبلاء". مصدر ٢.
في نفس الوقت ده الكولونيل تي اي لورنس كان موجود في السفاره البريطانيه في القاهره. و كان بدأ يبقي صديق لريج ستورز. الاتنين كانوا بيحبوا الشعر اللاتيني و اليوناني (تخيل ان ضباط في الجيش مثقفين بهذه الدرجه و قارن باحوالنا) و ده قربهم لبعض جدا.
لورنس كان مهتم جدا بالوضع في سوريا. و كان مقتنع انه ممكن يحصل تمرد عربي في سوريا ضد الأتراك يقوده الليبراليين في سوريا و لبنان. لكن لورنس لما عرف عن المراسلات السريه مع مكه فهم مباشره أهميتها لانها ببساطه بتطعم الإنجليز ضد اي اتهامات انهم منحازين ضد المسلمين و دي نقطه حساسه جدا لبريطانيا بالنظر لمستعمراتها في الهند و جنوب شرق اسيا اللي مئات الملايين من سكانها مسلمين.
في ابريل ١٩١٥ و في الوقت اللي كان فيه فيصل بن الحسين بيزور دمشق عشان يقابل جمال باشا كان الإنجليز مركزين في موضوع شديد الاهميه. إنجلترا كانت عاوزه تخلص الحرب مع تركيا بسرعه و كان رأي كتشنر ان تركيا ضعيفه جدا جدا لدرجه ان أسهل طريقه هي ضرب الرأس مباشره. يعني عمل إنزال بحري في اسطنبول ذاتها و احتلالها و إنهاء الحرب مع تركيا بسرعه للتفرغ للحرب مع المانيا في أوروبا.
الإنجليز كانوا مشغولين بتحضير الحمله دي في مصر (للاسف كل الهجمات ضد تركيا سواء في الدردنيل او في فلسطين كلها بدأت من مصر. و دون اي مقاومه من الشعب المصري! لذلك عندما يتحدث احدهم ان مصر حمي الاسلام الحقيقه لا نعرف عن اي فتره يتكلم لان جيوش اللنبي التي احتلت فلسطين مثلا تم تجييشها في مصر). الإنجليز كانوا متاكدين تماماً انهم حيخلصوا علي تركيا بسرعه لدرجه ان مكانش معاهم حتي خرائط مواقع الانزال البحري. و اسوء من كده اختاروا اسوء موقع ممكن للإنزال و هو جزيره اسمها جاليبولي جنوب اسطنبول.
الساعه ٦ و ربع صباح يوم ٢٥ ابريل ١٩١٥ (يعني من ١٠١ سنه بالضبط) بدأت السفينه البريطانيه آس آس ريفر كلايد الهجوم علي المواقع التركيه في جاليبولي جنوب اسطنبول.
الأتراك تمسكوا بمواقعهم بصلابه. في اليوم الاول للقتال خسر الإنجليز ٤ الاف جندي. لدرجه ان البحر بقي لونه احمر من كتر الدم.
الجنرال الألماني فون ساندرز قائد الجيش التركي في اسطنبول كان متاكد ان الإنجليز مستحيل ينزلوا في جاليبولي لانه ملهاش اي اهميه استراتيجيه لدرجه انه رفض يبعت جنود من اسطنبول عشان تساعد الحاميه التركيه في جاليبولي. قائد الحاميه التركيه الصغير دي كان ملازم شاب اسمه مصطفي كمال. الملازم ده استبسل عده ايام مع جنوده في صد الهجوم البريطاني لدرجه انه الإنجليز مقدروش حتي يمسكوا رأس شاطئ في جاليبولي و لا حتي عده أمتار.
في خلال ٧ شهور لحد نوفمبر ١٩١٥ الإنجليز خسروا ١٥٠ الف جندي بين مصاب و قتيل و بينهم ٤٥ الف قتيل. في مقابل العثمانيين خسروا ربع مليون بين قتيل و مصاب من بينهم ٩٠ الف قتيل. و دي معركه واحده علي جزيره واحده مش الحرب كلها (لاحظ ضخامه الأرقام. و لاحظ لما حد يقول مثلا مصر خسرت ١٠ الاف قتيل و مصاب في حرب ٧٣، فهذا يعطيك فكره عن التضحيات التي تقدمها شعوب العالم من اجل ارضها حتي لو كانت جزيره واحده).
طبعا شجاعه مصطفي كمال و تفانيه في الدفاع عن الارض حتخليه بعد كده يلعب دور مهم جدا في تشكيل تركيا الحديثه علي أنقاض الامبراطورية العثمانيه.
في نفس يوم ٢٥ ابريل ده الأتراك طبعا ابتدوا يشكوا في كل الأقليات و أمروا بتجميع حوالي ٢٠٠ من القيادات الارمنيه في سوريا و اتهامهم بالتعاون مع الإنجليز و انهم طابور خامس. و دي كانت بدايه ما يراه الأرمن انه تطهير عرقي و هو ما يرفضه الأتراك.
في ابريل كان فيصل بن الحسين بيقابل جمال باشا في دمشق و طبعا الأخبار وصلت بفشل الإنجليز في جاليبولي. لذلك فيصل مكانش قادر ياخد موقف حاسم مع الأتراك لأنهم منتصرين. بالعكس حاول انه يهادنهم بأقصي طريقه.
في يناير ١٩١٥ وصل مكه راجل سوري اسمه فوزي البكري. الراجل ده كان من قيادات الليبراليين في دمشق و عمل حركه سريه تقدميه في سوريا اسمه "الفتاه". فوزي البكري قابل الشريف حسين في مكه و قدم له طلب من اعجب ما يمكن.
قاله ان لو الشريف حسين يساعده ممكن سوريا و الحجاز ينضموا لبعض ضد الأتراك بمساعده البريطانيين. فيصل بن الحسين سمع الطلب لكن ما اداش رد. لذلك كلن حريص لما يوصل دمشق في مارس انه يقابل فوزي البكري و يشوف قدراته الحقيقيه ايه في سوريا. فيصل قعد في عزبه ال البكري في دمشق و كان بيقابله هو و اخوه نسيب البكري كل يوم عشان يفهم قدراتهم. بدل لما فيصل يقعد أسبوع بس في دمشق قعد ٣ أسابيع لحد ابريل (و كمل منها لاحقا لإسطنبول التي مكث فيه حتي بدايه مايو) عشان يخطط للتعاون بين اماره مكه و اللبراليين السوريين ضد الأتراك. طبعا ده في نفس الوقت اللي كان بيمثل علي جمال باشا انه معاه بالذات لما جت اخبار فشل الإنجليز في جاليبولي بسبب غرورهم و شجاعه الجندي التركي و استبسال مصطفي كمال، و طبعا توفيق من الله.
في اسطنبول حبك فيصل التمثيلية تماماً. بالعكس كمان وقع اتفاق مع تركيا في منتصف مايو عشان يزيلوا كل أسباب سوء التفاهم بين مكه و تركيا. و الأتراك عملوا له حفله وداع فخيمه جدا ركب بعدها القطر في محطه حيدر باشا في اسطنبول متوجه نحو دمشق و منها لمكه.
لكن في مايو ١٩١٥ الدنيا كانت اتغيرت جدا. عشرات الآلاف من الأرمن السوريين و الأتراك كانوا بيسيبوا بيوتهم و ماشيين في الحر لأماكن تهجيرهم كلاجئين. كمان فيصل اكتشف ان الوحدات العربيه في الجيش التركي اترحلت علي جاليبولي. و بالتالي كل وعود البكري ان الوحدات العربيه في الجيش التركي حتكون معاهم تبخرت لانه مبقاش فيه وحدات عربيه في الشام عشان تعمل الانقلاب اللي كانوا بيخططوا له.
لما فيصل بن الحسين قابل فوزي البكري في دمشق تاني في طريق العوده، فوزي اداله وثيقه عشان يديها للإنجليز في القاهره. الوثيقه دي اشتهرت باسم بروتوكول دمشق و فيها بتعرض منظمه الفتاه انها حتساعد الإنجليز ضد الأتراك.
فيصل رجع مكه و قابل ابوه و أخواته في يونيو. و اقنع ابوه انه الانقلاب علي الأتراك دلوقتي حيبقي خطير جدا بالنظر لفشل الإنجليز في جاليبولي و بالنظر لان الأتراك بدأوا يعاملوا اي تمرد بقسوه زي ما حصل مع الأرمن.
و نكمل الحكايه الحلقه القادمه. لكن الاول في عبر مهمه جدا لازم نعرفها.
العبر علي اوضاعنا الحاليه:
------------------------
١- فوزي و نسيب البكري دول بالرغم ادعائهم الليبرالية و التقدمية الا انهم بينسقوا مع أكتر القوي رجعيه وقتها و هو حاكم مكه. الهدف الحقيقي لقيادات الليبراليين هو انهم يحكموا و لا علاقه لهم بالليبرالية الحقيقيه كما يعرفها الغرب.
نسيب البكري ده لاحقا بقي وزير مع شكري القوتلي في سوريا. هم دول الناس اللي اسسوا ما يطلق عليه الدوله العربيه الحديثه اللي احنا شايفنها لحد دلوقتي في مصر و سوريا و العراق. و هي دوله تنسق مع القوي الرجعيه في السعوديه و الخليج بالرغم من ادعائها التقدميه و تتآمر مع الإنجليز ضد أبناء ذات الدين و ذات المنطقه و كذلك هدفها هو الاستمرار في الحكم حتي لو عن طريق القمع. سنين الحرب العالميه الاولي دي هي السنين المؤسسه. نسيب و فوزي البكري هم الجنين اللي بقي دلوقتي الدوله العربيه الحديثه! هم اللي عملوا السيسي و مصطفي بكري و حافظ الاسد و بشار الاسد.
لذلك لا عجب ان مشروع الدوله القوميه العربيه هو مشروع فاشل في الأساس مش بس استراتيجيا زي ما كتبنا قبل كده (مصدر ٥) لكن كمان بسبب ان المؤسسين كانت أحوالهم كما رأيناها. و للاسف هذا التاريخ يتم طمسه.
الصوره المرفقه الثالث علي الشمال فيها هو نسيب البكري لما كان وزير و علي يساره محمد علي علوبه باشا و الصوره في القاهره وقت الإرهاصات الاولي لعمل عربي مشترك اصبح لاحقا الجامعه العربيه. و للاسف طالما هؤلاء هم المؤسسون فلا غرابه ان المصير هو الفشل.
الدوله العربيه القوميه لم تستطع الحفاظ حتي علي الحدود التي ورثتها عن الأتراك. لم تحافظ علي كرامه المواطن و رغم الثروات الطائله التي انهالت علي العرب فمعظم العرب فقراء (مصدر ٦).
٢- كنوع من الابتسامه يبدو اننا موعودون مع اسم البكري!
٣- تاريخ مصطفي كمال اتاتورك في منتهي الاهميه. و سنعرض له لاحقا لكن مشكله كبيره عند الإسلاميين انهم لا يعطون كل ذي حق حقه. مصطفي كمال دون شك و بمساعده من الله حافظ علي تركيا كما نراها اليوم. لم يفرط فيها و لا في ارضها. له مشاكل كثيره. لكن مهم جدا ان نعطي كل ذي حق حقه. بإمكان رجب اردوغان الان ان يزيل صور اتاتورك و يؤسس جمهوريه جديده في تركيا. لكنه يعلم تماماً ان هذا ليس من العدل. لذلك نحترم تماماً الشيخ راشد الغنوشي في تونس و حزبه عندما يقرون بافضال الحبيب بورقيبه علي تونس مع الاعتراف بخطاياه. نرجو من الإسلاميين ان يكونوا عادلين مع تاريخ مصر عبد الناصر و فاروق و السادات. و حتي مبارك. و سنعرض لذلك في حلقات لاحقه من صفحات مخفيه.
٤- ربع مليون قتيل و جريح تضحيات الجيش العثماني في معركه واحده للحفاظ علي جزيره واحده.
لم يقولوا ده احنا اخدناها سلف من اليونان مثلا!
كذلك قارن تلك التضحيات بحوالي عشر الاف ضحيه في مصر في حرب ٧٣ كما كتبنا سابقا (مصدر ٧). كلهم فوق روسنا و عيونا دون شك. لكن الامم تقدم التضحيات من اجل ارضها و مستقبلها.
٥- مهم جدا علاقات الغرب مع قوي اسلاميه زي السعوديه اللي هي في الحقيقه خليفه الشريف حسين. اكثر القوي رجعيه في المنطقه هي أكثرها علاقه مع الغرب التقدمي لمصلحه الطرفين!
نفس السيناريو مستمر حتي الان.
الفارق ان الغرب بدأ يدرك ان هذه العلاقه ليست بالنجاح كما كانت عليه في السابق و هو ما يخافه ال سعود.
و نكمل.
المصادر:
--------
١- الحلقه السابقه من صفحات مخفيه من تاريخ مصر:
https://www.facebook.com/jawda.org/posts/1043512565718956:0
٢- مذكرات اللورد كتشنر عن مصر:
https://books.google.com/books…
٣- لورانس في الجزيره العربيه:
https://play.google.com/store/books/details…
٤- الحلقات السابقه مجمعه من صفحات مخفيه من تاريخ مصر:
https://jawdablog.org/…/%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8…/
٥- لماذا الفشل مصير الدوله العربيه: دراسات استراتيجيه:
https://jawdablog.org/…/is_making_turkey_iran_enemies_usef…/
٦- اين ذهبت أموال العرب؟
https://jawdablog.org/2015/08/03/myth56_where_is_oil_income/
٧- تضحيات مصر في الحروب:
https://jawdablog.org/…/egypt_sacrificed_for_palestine_hun…/
نرحب دائماً بالنقاشات المجدية والتعليقات التي تغني موضوعاتها ،
أنشر الموضوع ليعلم الناس الحقائق وكن أنت الآعلام البديل

ليست هناك تعليقات: