شاركنا رأيك

شاركنا رأيك

نص كلمة الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 22 ايلول/سبتمبر 2011



البيت الأبيض
مكتب السكرتير الصحفي
21 أيلول/سبتمبر 2011
للنشر الفوري
كلمة الرئيس باراك أوباما
أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
الأمم المتحدة
نيويورك، نيويورك
20 أيلول/سبتمبر 2011
الساعة 10:12 بتوقيت شرق الولايات المتحدة
الرئيس أوباما: السيد الرئيس، السيد الأمين العام، الزملاء المندوبون، أيها السيدات والسادة: إنه لشرف عظيم لي أن أكون هنا اليوم. أود أن أتحدث إليكم حول موضوع راسخ في صميم الأمم المتحدة، ألا وهو موضوع السعي إلى تحقيق السلام في هذا العالم غير المثالي.
لقد رافقتنا الحروب والنزاعات منذ بدء الحضارات. إلا أن تطور الأسلحة الحديثة في العقود الأولى من القرن العشرين قد تسبب في قتل أعداد هائلة. وكان هذا القتل هو الذي أجبر مؤسسي هذه الهيئة على بناء مؤسسة تركز ليس فقط على إنهاء حرب واحدة، بل وعلى تجنب حروب أخرى؛ إنه اتحاد للدول ذات السيادة التي تسعى لمنع نشوب الصراعات، في حين تعالج أيضاً أسبابها.
لم يعمل أي أميركي في سبيل تحقيق هذا الهدف أكثر من الرئيس فرانكلين روزفلت. فقد كان يدرك أن النصر في الحرب لم يكن كافياً. وكما قال في أحد الاجتماعات الأولى بعد تأسيس الأمم المتحدة، "علينا أن نصنع سلاماً، وليس مجرد سلام، بل سلاماً سوف يدوم."
فقد أدرك الرجال والنساء الذين بنوا هذه المؤسسة بأن السلام هو أكثر من مجرد غياب الحرب. إن السلام الدائم - للدول والأفراد - يعتمد على حس العدالة والفرص، الكرامة والحرية. ويعتمد على الكفاح والتضحية، على التسوية، والشعور بالإنسانية المشتركة.
وعبّرت عن ذلك إحدى المندوبات إلى مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أدى إلى إنشاء الأمم المتحدة بشكل جيد حيث قالت إن "الكثير من الناس تحدثوا وكأن كل ما علينا القيام به للحصول على السلام هو... القول بصوت عالٍ وبشكل متكرر إننا نحب السلم ونكره الحرب. والآن فقد تعلّمنا أنه مهما أحببنا السلام وكرهنا الحرب، لا يمكننا تجنب الحرب التي تُفرض علينا إذا كانت هناك تشنجات في أجزاء أخرى من العالم."
والحقيقة هي أن السلام ليس بالأمر السهل، ولكن شعوبنا تطالب به. على مدى حوالي سبعة عقود، وحتى عندما ساعدت الأمم المتحدة في تجنب حرب عالمية ثالثة، لا نزال نعيش في عالم مزقته الصراعات ويعاني من الفقر. حتى وعندما نعلن حبنا للسلام وكراهيتنا للحرب، هناك تشنجات في عالمنا وهي تشكل خطراً علينا جميعاً.
تسلمت منصبي في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تخوض حربين. وبالإضافة إلى ذلك، كان المتطرفون العنيفون الذين جرونا إلى الحرب في المرة الأولى - أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة - لا زالوا طليقين. أما اليوم، فقد حددنا اتجاهاً جديداً.
في نهاية هذا العام، سوف تنتهي العمليات العسكرية الأميركية في العراق. وستكون لدينا علاقة طبيعية مع دولة ذات سيادة هي عضو في الأسرة الدولية. وستتعزز هذه الشراكة من خلال دعمنا للعراق - ولحكومته ولقواته الأمنية، ولشعبه ولتطلعاته.
وبينما نحن ننهي الحرب في العراق، بدأت الولايات المتحدة وشركاؤنا في التحالف مرحلة انتقالية في أفغانستان. وبين الآن وعام 2014، وبعد تحسن قدراتها، سوف تتسلم الحكومة وقوات الأمن الأفغانية مسؤولية مستقبل بلادها وفي هذه الأثناء سنقوم بسحب قواتنا، بينما نبني شراكة دائمة مع الشعب الأفغاني.
لذلك لا تدعوا الشك يساوركم: لقد بدأت موجة الحرب تنحسر. فعندما تسلمت منصبي، كان هناك حوالي 18 ألف أميركي يخدمون في العراق وأفغانستان. وبحلول نهاية هذا العام، سيتم خفض هذا العدد إلى النصف، وسيستمر في الانخفاض. وهذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبة لسيادة العراق وأفغانستان. وهو أيضاً بالغ الأهمية بالنسبة لقوة الولايات المتحدة ونحن نبني وطننا في الداخل.
علاوة على ذلك، إننا متأهبون لإنهاء هذه الحروب من موقف قوة. فقبل عشر سنوات، كان هناك جرح مفتوح وأعمدة حديد ملتوية وقلوب منكسرة في وسط هذه المدينة. أما اليوم، ومع ارتفاع البرج الجديد في موقع أرض الكارثة، الذي يرمز إلى تجدد نيويورك، ترزح القاعدة تحت وطأة الضغوط أكثر من أي وقت مضى. وقيادتها تعرضت لضربة قاصمة. ولن يتمكن أسامة بن لادن، الرجل الذي قتل الآلاف من الناس في عشرات البلدان، أن يشكل خطراً على السلام في العالم مرة أخرى.
لذا، نعم، لقد كان هذا العقد صعباً. لكننا اليوم، نقف على مفترق طرق من التاريخ مع وجود فرصة للسير بطريقة حاسمة في اتجاه السلام. وللقيام بذلك، يجب أن نعود إلى حكمة أولئك الذين أوجدوا هذه المؤسسة.إذ إن ميثاق تأسيس الأمم المتحدة يدعونا إلى "توحيد قوانا للمحافظة على السلام والأمن الدوليين". والمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لهذه الجمعية العامة يذكرنا بأن "جميع الناس يُولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق". وتلك المعتقدات الصلبة - في مسؤولية الدول، وحقوق الرجل والمرأة - يجب أن تكون مرشدنا.
وفي هذا الجهد، لدينا كل سبب يدعونا إلى الأمل. فقد كان هذا العام فترة للتحولات الاستثنائية. وتقدمت المزيد من الدول للمشاركة في حفظ السلام والأمن الدوليين. ويطالب المزيد من الأفراد بحقوقهم الإنسانية العالمية للعيش بحرية وكرامة.
فإذا فكرنا في ذلك: منذ سنة خلت، عندما اجتمعنا في نيويورك كان احتمال نجاح الاستفتاء في جنوب السودان موضع شك. ولكن الأسرة الدولية تخطت الانقسامات القديمة لدعم الاتفاق الذي تم التفاوض بشأنه لإعطاء جنوب السودان حق تقرير المصير. وفي الصيف الماضي، وبينما ارتفع العلم الجديد في جوبا، ألقى الجنود السابقون أسلحتهم، وبكى الرجال والنساء فرحاً، وعرف الأطفال أخيراً وعد التطلع إلى المستقبل الذي سوف يحددون شكله.
ومنذ سنة مضت، اقترب شعب ساحل العاج من إجراء انتخابات مهمة. وعندما خسر رئيس الجمهورية آنذاك، ورفض احترام النتائج، رفض العالم أن يغض الطرف وينظر إلى الجهة الأخرى. فقد تعرضت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة للمضايقات، ولكنها لم تترك مراكزها. تضافر أعضاء مجلس الأمن واجتمعوا معاً، بقيادة الولايات المتحدة ونيجيريا وفرنسا، لدعم إرادة الشعب. والآن يحكم ساحل العاج الرئيس الذي انتخبه الشعب لقيادة البلاد.
ومنذ سنة مضت، قُمعت آمال الشعب التونسي. ولكنهم اختاروا كرامة الاحتجاج السلمي ضد الحكم بقبضة من حديد. فقد أشعل بائعٌ عودَ كبريت قضى على حياته، ولكنه أشعل حركة. وفي مواجهة الإجراءات الصارمة وحملة القمع، هتف الطلاب بكلمة "حرية". ورجحت كفة ميزان الخوف من جهة الحاكم لصالح أولئك الذي كان يحكمهم. والآن يستعد الشعب التونسي لإجراء الانتخابات التي سوف تنقلهم خطوة أقرب نحو الديمقراطية التي يستحقونها.
ومنذ سنة مضت، كانت مصر لا تعرف سوى رئيساً واحداً منذ حوالي ثلاثين عاماً. ولكنه كانت أعين العالم ظلت على مدى 18 يوماً مركزة على ميدان التحرير، حيث تجمع المصريون من جميع مناحى الحياة - رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً، ومسلمين ومسيحيين – ليطالبوا بحقوقهم الإنسانية العالمية. ورأينا في أولئك المحتجين القوة المعنوية لنبذ العنف الذي أشعل العالم من دلهي إلى وارسو، ومن سلمى إلى جنوب أفريقيا، وكنا نعرف أن التغيير قد جاء إلى مصر والعالم العربي.
ومنذ سنة مضت، كان أبناء الشعب الليبي يرزحون تحت نير أطول فترة حكم ديكتاتوري في العالم. ولكنهم رغم مواجهة الرصاص والقنابل والديكتاتور الذي هدد بملاحقتهم مثل الفئران، أبدوا شجاعة صلبة لا هوادة فيها. إننا لن ننسى أبداً كلمات الليبي الذي وقف في تلك الأيام الأولى من الثورة ليقول، "كلماتنا حرة الآن." إنه شعور لا يمكن تفسيره. ويوماً بعد يوم، وبمواجهة الرصاص والقنابل، أبى أبناء الشعب الليبي التخلي عن تلك الحرية. وعندما تعرضوا للتهديد بفظائع جماعية، التي كانت تمر في كثير من الأحيان دون أن يتحداها أحد في القرن الماضي، ارتقت الأمم المتحدة إلى مستوى ميثاقها. ففوض مجلس الأمن باتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع وقوع مذبحة. ودعت الجامعة العربية إلى القيام بهذا الجهد، وانضمت الدول العربية إلى التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي الذي تصدى للقذافي ومنع تقدمه.
وفي الأشهر التي تلت ذلك، أثبتت إرادة التحالف بأنها صلبة ولا يمكن كسرها، ولا يمكن إنكار إرادة الشعب الليبي. وانتهت اثنتان وأربعون سنة من الطغيان في ستة أشهر. من طرابلس إلى مصراتة وبنغازي، وأصبحت ليبيا اليوم حرة. وفي يوم أمس، تبوأ قادة ليبيا الجدد مكانهم الصحيح بجانبنا، وفي هذا الأسبوع، تعيد الولايات المتحدة افتتاح سفارتنا في طرابلس.
هذه هي الطريقة التي يُفترض أن تعمل بها الأسرة الدولية- أن نقف معاً من أجل السلام والأمن، والأفراد الذين يطالبون بحقوقهم. والآن، نتحمل جميعاً المسؤولية لدعم الحكومة الليبية الجديدة وهي تواجه تحدي تحويل هذه اللحظة من الوعد إلى سلام عادل ودائم لجميع الليبيين.
لذا فقد كانت هذه السنة مميزة. نظام القذافي انتهى. غباغبو، والرئيس بن علي، ومبارك لم يعودوا في السلطة. أسامة بن لادن انتهى، والفكرة القائلة بأن التغيير لا يأتي إلا من خلال العنف قد دُفنت معه. هناك شيء ما يحدث في عالمنا. لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه. والقبضة المذلة للفساد والطغيان قد فُتحت عنوة. وقد أصبح الطغاة المستبدون تحت المراقبة. إن التكنولوجيا تضع السلطة في أيدي الشعب. ويسدد الشباب ضربة قوية ضد الديكتاتورية، ويرفضون الكذبة القائلة بأن بعض الأعراق والأديان والأقوام لا يرغبون في الديمقراطية. وأصبح الوعد المكتوب على الورق بأن- "جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق"- قاب قوسين أو أدنى.
ولكن دعونا نتذكر أن: السلام صعب المنال. السلام صعب المنال وليس بالأمر السهل. ويمكن عكس مسار تقدمه. والازدهار يأتي ببطء. ويمكن للمجتمعات أن تتفتت. يجب أن يكون المعيار لنجاحنا هو ما إذا كان الناس يستطيعون العيش بحرية، وكرامة، وأمن على الدوام. ويجب على الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها القيام بدورهم لدعم تلك التطلعات الأساسية. وهناك المزيد من العمل الذين يجب علينا القيام به.
في إيران، شهدنا حكومة ترفض الاعتراف بحقوق شعبها. وبينما نحن نجتمع هنا اليوم، يتعرض الرجال والنساء والأطفال للتعذيب والاعتقال والقتل على يد النظام السوري. فقد قُتل الآلاف من الناس، والكثير منهم خلال شهر رمضان. وتدفق آلاف آخرون عبر الحدود السورية. وقد أظهر الشعب السوري الكرامة والشجاعة في سعيه لتحقيق العدالة - يحتجون سلميا، يقفون بصمت اعتصاما في الشوارع ويموتون في سبيل نفس القيم التي يفترض أن تدافع عنها المؤسسة. والسؤال بالنسبة لنا واضح: هل نقف إلى جانب أبناء الشعب السوري، أم إلى جانب مضطهديهم؟
لقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات قوية على القادة السوريين. وأيدنا عملية انتقال السلطة التي تستجيب لمطالب الشعب السوري. وقد انضم إلينا في هذا الجهد العديد من حلفائنا. ولكن لصالح سوريا - والسلام والأمن في العالم - يجب أن نتكلم بصوت واحد. لا يوجد أي مبرر للتقاعس عن العمل. الآن هو الوقت المناسب لمجلس الأمن الدولي لفرض العقوبات على النظام السوري، والوقوف مع الشعب السوري.
وفي سائر أنحاء المنطقة، علينا أن نستجيب إلى دعوات التغيير. ففي اليمن، يتجمع الرجال والنساء والأطفال بالآلاف في المدن وساحات المدن في كل يوم على أمل أن يتغلبوا بقوة تصميمهم وعزمهم وبدمائهم على النظام الفاسد. وأميركا تدعم هذه التطلعات. لذلك يجب علينا أن نعمل مع جيران اليمن وشركائنا في جميع أنحاء العالم من أجل التوصل إلى المسار الذي يسمح بالانتقال السلمي للسلطة من الرئيس صالح، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن.
وفي البحرين، تمّ اتخاذ خطوات في اتجاه الإصلاح والمساءلة. نحن مسرورون بذلك، ولكن المطلوب أكثر. أميركا هي صديق مقرّب من البحرين، وسوف نستمر في دعوة الحكومة وتكتل المعارضة الرئيسية – جبهة الوفاق – إلى السعي من أجل إجراء حوار جاد يؤدي إلى تغيير سلمي يستجيب لتطلعات الشعب. ونحن نعتقد أن الوطنية التي تربط البحرينيين معا يجب أن تكون أقوى من القوى الطائفية التي من شأنها أن تمزقهم. إنه أمر صعب ولكنه ممكن.
نعتقد بأن كل دولة يجب أن تحدد مسارها الخاص بها لتحقيق تطلعات أبناء شعبها، وأميركا لا تتوقع أن تتفق مع كل طرف أو مع شخص يعبر عن نفسه سياسياً. ولكننا سندافع دائماً عن الحقوق العالمية التي احتضنتها هذه الجمعية. تعتمد هذه الحقوق على انتخابات حرة ونزيهة، وحكم يتسم بالشفافية والمساءلة، واحترام حقوق المرأة والأقليات، والعدالة المتساوية والمنصفة. هذا هو ما تستحقه شعوبنا. وهذه هي عناصر السلام الدائم.
وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة سوف تواصل دعم تلك الدول التي تمر بمرحلة التغيير الديمقراطي، من خلال زيادة التجارة والاستثمار، بحيث تأتي الفرص بعد هذه الحرية. وسوف نسعى لمشاركة أعمق مع الحكومات، ولكن أيضاً مع المجتمع المدني - الطلاب ورواد الأعمال، والأحزاب السياسية والصحافة. وقد منعنا الذين ينتهكون حقوق الإنسان من السفر إلى بلدنا، وعاقبنا أولئك الذين يدوسون على حقوق الإنسان في الخارج. وسوف نكون دائماً صوتاً للذين أُجبروا على الصمت.
والآن أنا أعلم، خاصة في هذا الأسبوع، أنه بالنسبة للكثيرين في هذه القاعة، هناك مسألة تقف بمثابة اختبار لهذه المبادئ، واختبار للسياسة الخارجية الأميركية، وهي النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
قبل عام واحد، وقفت على هذه المنصة ودعوت إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. اعتقدت حينئذ، كما أعتقد الآن، أن الشعب الفلسطيني يستحق دولة خاصة به. ولكن ما قلته أيضا هو أن السلام الحقيقي لا يتحقق سوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم. وبعد عام، وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها أميركا وغيرها، لم يقم الطرفان بحل خلافاتهما. وبمواجهة هذا المأزق، وضعت أساساً جديداً للمفاوضات في شهر أيار/مايو من هذه السنة. وكان ذلك الأساس واضحاً، ومعروفاً لنا جميعا هنا. يجب أن يعلم الإسرائيليون أن أي اتفاق سينص على ضمانات لأمنهم. والفلسطينيون يستحقون أن يعرفوا حدود أرض دولتهم.
والآن، أنا أدرك أن العديد يشعرون بالإحباط لعدم إحراز تقدم. وأطمئنكم، أنا أيضاً. ولكن السؤال ليس هو الهدف الذي نسعى إليه - السؤال هو كيفية الوصول إلى هذا الهدف. وأنا مقتنع بأنه لا يوجد طريق مختصر لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود. إن السلام لن يأتي من خلال البيانات والقرارات في الأمم المتحدة - فلو كان بهذه السهولة، لكان تحقق حتى الآن. وفي نهاية المطاف، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين هم الذين يجب أن يعيشوا جنبا إلى جنب. وفي نهاية المطاف، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين - وليس نحن – هم الذين يتعين عليهم التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل التي تفرق بينهما: حول الحدود والأمن، وحول اللاجئين والقدس.
وفي نهاية المطاف، فإن السلام يعتمد على الحلول الوسط بين الشعوب التي يتعين أن تتعايش سوية في زمن يأتي بعد كثير من الانتهاء من إلقاء خطبنا وبعد كثير من الانتهاء من فرز أصواتنا. وهذه هي العبرة المستقاة من أيرلندا الشمالية حيث ردم خصوم قدماء فجوة خلافاتهم. وهذه هي العبرة المأخوذة من السودان حيث أفضت تسوية متفاوض عليها إلى قيام دولة مستقلة. وذلك هو، وسيكون، المسار الذي سيفضي إلى دولة فلسطينية: المفاوضات بين الطرفين.
إننا نسعى لغد يعيش فيه الفلسطينيون في دولة ذات سيادة خاصة بهم، ودون حد لما يمكنهم أن ينجزوه. ولا شك في أن الفلسطينيين مدركون أن تلك الرؤيا قد تأخرت زمنا طويلا جدا. وبالضبط، ولأننا نؤمن بتطلعات الشعب الفلسطيني فإن أميركا وظفت الكثير الكثير من الوقت والمجهود في بناء دولة فلسطينية وفي المفاوضات التي يمكن أن تحقق قيام دولة فلسطينية.
لكن، كونوا مدركين أيضا أن التزام أميركا بأمن إسرائيل لا يتزعزع وصداقتنا مع إسرائيل عميقة ودائمة. ولهذا نحن نرى أن أي سلام دائم يجب أن يعترف بهواجس الأمن الحقيقية فعلا التي تراود إسرائيل في كل يوم. ولنكن صادقين مع أنفسنا من حيث إن إسرائيل محاطة بجيران شنوا حروبا متكررة ضدها. وقُتل مواطنون إسرئيليون بفعل صواريخ أطلقت على منازلهم وقنابل انتحارية في حافلاتهم. وقد نشأ أطفال إسرائيل وهم يعون أن في جميع أنحاء المنطقة هناك أطفال غيرهم يتعلمون كيف يكرهونهم. وإسرائيل، تلك الدولة الصغيرة التي يقل سكانها على 8 ملايين نسمة، تطل على عالم حيث قادة بلدان أكبر منها بكثير يهددون بإزالتها من الخريطة. والشعب اليهودي يحمل عبء قرون من النفي والإضطهاد وفي خلده ذكريات حية بأن ستة ملايين شخص قتلوا بسبب هويتهم فقط. وتلك هي حقائق، بل حقائق لا يمكن إنكارها.
لقد أقام الشعب اليهودي دولة ناجحة في وطنه التاريخي. وإسرائيل جديرة بالإعتراف، وهي جديرة بعلاقات طبيعية مع جاراتها. وأصدقاء الفلسطينيين لا يخدمونهم بإنكارهم هذه الحقيقة، كما يتعين على أصدقاء إسرائيل أن يدركوا الحاجة إلى السعي لحل الدولتين حيث تعيش إسرائيل آمنة جنبا إلى جنب مع فلسطين مستقلة.
تلك هي الحقيقة، وهي أن لكل جانب تطلعات مشروعة، وهذا جزء مما يجعل السلام صعب المنال. فالطريق مسدود ولن يفتح إلا حينما يتعلم كل جانب أن يقف مكان الآخر. أي كل جانب يمكنه أن يرى العالم من خلال أعين الجانب الآخر. وهذا ما يجب أن نشجع عليه.
وهذه المنظمة (الأمم المتحدة) التي تأسست من رماد الحرب والإبادة، والمكرّسة، كما هي الآن، لكرامة كل شخص بمفرده، يجب أن تسلم بالواقع الذي يعيشه كلا الفلسطينيين والإسرائيليين. والمكيال الذي نقيس به أفعالنا يجب أن يكون ما إذا كانت هذه الأعمال تعمل على تعزيز حق الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين في العيش حياة سلم وأمن وعزة وتوفر الفرص. ونحن لن ننجح في ذلك المجهود إلا إذا شجعنا الطرفين على الجلوس معا وأن يصغي الواحد للآخر، وأن يفهم الواحد آمال ومخاوف الآخر. وهذا هو المشروع الذي تلتزم به أميركا وهذا هو ما يجب على الأمم المتحدة أن تركز أنظارها عليه في الأسابيع والأشهر القادمة.
والآن وحتى في الوقت الذي نجابه تحديات الصراعات والثورات هذه، علينا أن ندرك ويجب أن نذكّر أنفسنا أيضا أن السلام ليس مجرد غياب الحرب. فالسلام الحقيقي يعتمد على إيجاد فرص تجعل الحياة جديرة بالعيش. وكي نفعل ذلك، علينا مجابهة الأعداء المشتركين للبشرية: الأسلحة النووية والفقر؛ والجهل والمرض. فهذه القوى تنال من إمكانية السلام الدائم، ونحن مدعوون معا للتصدي لها.
ولرفع شبح الدمار الشامل، علينا أن نتلاقى سعيا للسلام والأمن في عالم خال من الأسلحة النووية. فعلى مدى العامين الماضيين بدأنا المضي في ذلك المسار. ومنذ انعقاد قمتنا للأمن النووي بواشنطن اتخذت حوالي 50 دولة خطوات لتأمين المواد النووية بعيدا عن منال الإرهابيين والمهربين. وفي آذار/مارس القادم ستعزز القمة التي ستعقد في سيؤول جهودنا للتحفظ عليها كلها. كما ستعمل معاهدة ستارت الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا على خفض ترساناتنا المنشورة بحيث تبلغ أدنى مستويات لها منذ نصف قرن. كما يتابع بلدانا محادثات حول كيف يمكن حتى تحقيق تخفيضات أخرى. وستتابع أميركا العمل من أجل تحريم جميع الأسلحة النووية وحظر إنتاج المواد الانشطارية الضرورية لتصنيعها.
وهكذا بدأنا التحرك في الإتجاه الصحيح والولايات المتحدة ملتزمة بالوفاء بتعهداتنا. لكن حتى حينما كنا نفي بتعهداتنا عززنا المعاهدات والمؤسسات التي تسهم في وقف انتشار هذه الأسلحة. ومن أجل القيام بذلك، علينا مواصلة محاسبة تلك الدول التي تنتهكها.
فحكومة إيران لا يمكنها أن تثبت أن برنامجها سلمي، فهي لم تف بالتزاماتها ورفضت عروضا كان يمكن أن تزودها بطاقة نووية لاغراض سلمية. كما لم تتخذ كوريا الشمالية بعد خطوات أساسية نحو التخلي عن أسلحتها ولا زالت تواصل أعمالها العدوانية ضد الجنوب. وهناك مستقبل من الفرص الوافرة لشعبي هاتين الدولتين إذا لبت حكومتاهما التزاماتهما، أما إذا واصلتا سيرهما في طريق خارج القانون الدولي فسيتعين الرد عليهما بضغط أشد وبالعزلة. وهذه هي التزاماتنا تجاه متطلبات السلام والأمن.
ومن أجل تحقيق الرخاء لشعوبنا علينا تعزيز النمو الذي يوجد فرصا. وفي هذا المسعى يجب علينا ألا ننسى أننا حققنا تقدما هائلا على مدى العقود القليلة الماضية. فالمجتمعات المنغلقة أفسحت المجال أمام أسواق منفتحة. كما أن الإبداع وريادة الأعمال قد غيّرا النمط الذي نعيشه والأمور التي يمكننا أن نفعلها. والاقتصادات الناشئة— من آسيا إلى الأميركتين— انتشلت مئات الملايين من الفقر. لكن، قبل 3 سنوات عصفت بنا أسوأ أزمة مالية خلال ثمانية عقود. وهذه الأزمة أثبتت حقيقة اتضحت أكثر مع مرور كل عام – وهي أن مصائرنا مترابطة وأن في الاقتصاد العالمي تنهض الأمم سوية أو تهوي معا.
واليوم، نحن نواجه التحديات التي جاءت في أعقاب تلك الأزمة. فالتعافي الاقتصادي مازال هشا في أنحاء العالم. والأسواق مازالت متقلبة. وكثير من الناس عاطلون عن العمل. وغيرهم الكثير ممن يكافحون ليتدبروا بالكاد أمور معيشتهم. لقد عملنا معا لتجنب وقوع كساد في العام 2009. ويجب علينا اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة من جديد. وهنا في الولايات المتحدة، أعلنتُ عن خطة لتشغيل الأميركيين وتحريك اقتصادنا، في نفس الوقت الذي ألتزم فيه بتخفيض عجز ميزانيتنا بشكل ملحوظ بمرور الوقت.
إننا نقف مع حلفائنا الأوروبيين وهم يعيدون تشكيل مؤسساتهم ويواجهون التحديات المالية الخاصة بهم. أما بالنسبة للبلدان الأخرى، فالقادة فيها يواجهون تحديا مختلفا، إذ يوجّهون اقتصاداتها نحو مزيد من الاعتماد على الذات، مما يؤدي إلى زيادة الطلب المحلي وفي الوقت نفسه إلى تخفيض وإبطاء معدل التضخم. ولذلك سوف نعمل مع الاقتصادات الناشئة التي انتعشت بقوة، بحيث تخلق مستويات المعيشة المرتفعة أسواقا جديدة تعمل على تعزيز النمو العالمي. هذا هو ما يتطلبه التزامنا بالرخاء.
ومن أجل مكافحة الفقر الذي يقسو على أطفالنا، يجب علينا أن نعمل من منطلق الاعتقاد بأن التحرر من العوز هو حق أساسي من حقوق الإنسان. ولقد جعلت الولايات المتحدة من هذه المسألة نقطة محورية لانخراطنا في الخارج لمساعدة الناس على إطعام أنفسهم. واليوم، إذ أدى الجفاف والنزاع إلى حدوث المجاعة في منطقة القرن الأفريقي، فإن ضميرنا يدعونا للتحرك. وإننا، معا، يجب أن نستمر في تقديم المساعدة، ودعم المنظمات التي يمكن أن تصل إلى المحتاجين. ومعا، علينا أن نصرّ على وصول المساعدات الإنسانية دون قيود حتى نتمكن من إنقاذ حياة الآلاف من النساء والرجال والأطفال. إن إنسانيتنا المشتركة مهددة بالخطر. دعونا نُظهر أن حياة أي طفل في الصومال هي شيء ثمين مثل حياة أي طفل آخر. هذا هو ما يتطلبه التزامنا تجاه إخوتنا من البشر.
ومن أجل وقف الأمراض التي تنتشر عبر الحدود، يجب علينا تعزيز نظم الصحة العامة لدينا. وسوف نواصل مكافحة فيروس ومرض نقص المناعة المكتسب/الإيدز والسل والملاريا. وسوف نركز على صحة الأمهات والأطفال. ويجب أن نتكاتف معا لمنع واكتشاف ومكافحة كل نوع من أنواع الأخطار البيولوجية – سواء كان وباءً مثل فيروس اتش وَن إن وَن (H1N1)، أو تهديدا إرهابيا، أو مرضا يمكن علاجه.
لقد وقّعت الولايات المتحدة هذا الأسبوع اتفاقا مع منظمة الصحة العالمية لتأكيد التزامنا بالتصدي لهذا التحدي. واليوم، أحث جميع الدول على الانضمام إلينا في تحقيق هدف منظمة الصحة العالمية في التأكد من أن جميع الدول لديها القدرات الأساسية في موضعها الصحيح لمواجهة ومعالجة حالات الطوارئ الصحية العامة بحلول العام 2012. هذا هو ما يتطلبه التزامنا بصحة شعوبنا.
ومن أجل الحفاظ على كوكبنا، يجب علينا ألا نؤجل اتخاذ الإجراءات التي يتطلبها تغير المناخ. ويجب علينا الاستفادة من قوة العلم لحفظ تلك الموارد التي تعد شحيحة. ومعا، يجب أن نواصل عملنا للبناء على أساس التقدم المحرز في كوبنهاغن وكانكون، حتى يتسنى لجميع الاقتصادات الكبرى هنا اليوم الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها. ومعا، يجب أن نعمل على تحويل الطاقة التي تغذي اقتصاداتنا، ونعمل على دعم غيرها فيما تتحرك في نفس المسار. هذا هو ما يتطلبه التزامنا تجاه الجيل القادم.
ومن أجل التأكد من تحقيق مجتمعاتنا كامل طاقاتها، يتعين علينا السماح لمواطنينا بأن يستغلوا طاقاتهم هم أيضا. لا يمكن لأي بلد أن يتحمل الفساد الذي يبتلي العالم مثل سرطان. معا، يجب علينا تسخير واستغلال قوة المجتمعات المنفتحة والاقتصادات المفتوحة. هذا هو السبب في أننا تحالفنا مع دول من مختلف أنحاء العالم لإطلاق شراكة جديدة على أساس "الحكومة المنفتحة" تساعد على ضمان المساءلة والمحاسبة وتمكين مواطنيها. لا ينبغي على أي بلد أن ينكر على الناس حقوقهم في حرية التعبير وحرية الدين، كما لا ينبغي على أي بلد أن ينكر حقوق أفراده بسبب مَن يحبون، ولهذا السبب، علينا أن ندافع عن حقوق المثليين والمثليات في كل مكان.
ولا يمكن لأي بلد تحقيق كامل قدراته وإمكاناته إذا كان نصف سكانه لا يمكنهم استغلال طاقاتهم. لذا وقّعت الولايات المتحدة هذا الأسبوع إعلانا جديدا حول مشاركة المرأة. وفي السنة المقبلة، ينبغي علينا جميعا أن نعلن عن الخطوات التي نتخذها لإزالة الحواجز الاقتصادية والسياسية التي تقف في طريق النساء والفتيات. هذا هو ما يتطلبه التزامنا بالتقدم الإنساني.
إنني أعلم أنه لا يوجد خط مستقيم يؤدي مباشرة إلى ذلك التقدم، ولا يوجد مسار واحد لتحقيق النجاح. نحن نأتي من ثقافات مختلفة، وكل منا يحمل معه تاريخا مختلفا. ولكن دعونا ألا ننسى أننا حتى ونحن نجتمع هنا بصفتنا رؤساء حكومات مختلفة، نمثّل مواطنين يشتركون في نفس التطلعات الأساسية – أن نعيش بكرامة وحرية، وأن نحصل على التعليم ونغتنم الفرص، وأن نحب عائلاتنا، وأن نحب إلهنا ونعبده، وأن نحيا في ذلك النوع من السلام الذي يجعل الحياة جديرة بالعيش.
إن من طبيعة عالمنا غير الكامل أننا مضطرون لتعلم هذا الدرس مرارا وتكرارا. سوف يستمر النزاع والقمع ما دام بعض الناس يرفضون معاملة الآخرين كما يحبون أن يُعاملوا. ومع ذلك، فإن هذا بالضبط هو السبب في أننا بنينا مؤسسات مثل هذه المنظمة – لكي تربط مصائرنا معا وتساعدنا في معرفة أنفسنا من خلال الآخرين - لأن الذين سبقونا آمنوا بأن السلام أفضل من الحرب، والحرية أفضل من القمع، والرخاء أفضل من الفقر. تلك هي الرسالة التي لا تأتي من عواصم الحكم، بل تأتي من المواطنين، تأتي من أبناء شعوبنا.
وعندما وُضع حجر الأساس لهذا المبنى بعينه، جاء الرئيس ترومان هنا في نيويورك، وقال "إن الأمم المتحدة في جوهرها هي تعبير عن الطبيعة الأخلاقية لتطلعات الإنسان." الطبيعة الأخلاقية لتطلعات الإنسان. وإذ نعيش في عالم يتغير بوتيرة متسارعة تقطع الأنفاس، فإن ذلك هو الدرس الذي يجب ألا ننساه أبدا.
إن تحقيق السلام أمر صعب، ولكننا نعرف أنه ممكن. ولذا، فمعاً، دعونا نعقد العزم على أن نرى أن آمالنا هي التي تحدد وتشكّل ملامح السلام وليست مخاوفنا. معا، دعونا نعمل على صنع السلام، ولكن الأهم، أن يكون سلاما يدوم.
شكرا جزيلا لكم. (تصفيق)
الساعة 10:47 بتوقيت شرق الولايات المتحدة.
شير وكن أنت الاعلام البديل

ليست هناك تعليقات: